التوك توك والبرلمان ... من ينتصر؟
بقوة الامر الواقع .. هناك الآن برلمان يضم أكثر من ستمائة عضو، على وشك أن يعقد أولى جلساته، ومن ثم لم تعد هناك جدوى من الحديث عن من فاز وكيف فاز، المهم الآن : ما هى مهمة البرلمان؟
تقديرى أن مهمته الأساسية هى الانتصار على التوك توك .. كيف؟
التوك توك مركبة بدائية الصنع، ظهرت للتحايل على مشكلة وليس حلها، وهو فى مصر ظاهرة عشوائية بامتياز، منذ استيراده وتشغيله وحتى تحوله إلى نفايات، وهو دائما عكس الاتجاه أو يتخبط فى الاتجاه، قليل القيمة عالى الازعاج، أخطاؤه تتجاوز منافعه، وشخصية مشغليه صورتها أشد افلام السبكى انحطاطا وتمرغا فى السطحية والبذاءة وبدائية التفكير، والميل للتحلل من كل قيد أو قاعدة أو نظام.
ما يجسده التوك توك من سمات سلوكية وعقلية وسلوكية ووظيفية، لا تختلف تقريبا عن ما يجرى على الساحة، وإذا أمعنت النظر قليلا ستجد البلاد تنزلق سياسيا واقتصاديا وخلقيا وتنمويا نحو دنيا التوك توك بصورة متسارعة، فهى تعانى من السطحية والصوت العالى والعشوائية، وتراجع المعرفة وتدنى الأخلاق، والتحايل على المشكلات بدلا من حلها، والابتعاد عن العقلانية والعلم والسماحة والهدوء والرؤية الواضحة القائمة على المشاركة الواسعة والفهم وتراكم المعرفة.
من هنا يمكن تلخيص آثار "عدوان التوك توك" على الحياة بمصر، ومهمة البرلمان فى إزالة آثار هذا العدوان فى النقاط الخمس التالية:
1 ـ فيما يتعلق بالنظام السياسى، تحتل قضية بناء الأغلبية المؤيدة أولوية على ما عداها، حتى أنها تسبق احترام الدستور والتقيد بأحكامه والحرص على تفعيلها، فالثابت أن النظام اقدم على عشرات الانتهاكات الدستورية الواضحة، والمجسدة تجسيدا واقعيا في العديد من القوانين والقرارات، وعلى البرلمان أن يقلب هذا الوضع، ويجعل احترام الدستور سابقا لأى اعتبارات أخرى.
2 ــ في مجال التنمية يجرى الالتزام بأن تغتنى الدولة أولا، ثم تلتفت للمواطن ثانيا، بمعنى أن الدولة هى محور التركيز، وعلى المواطن أن يدور في فلكها وحولها، حتى تصبح الدولة قادرة على أن تمنحه شيئا مما تحصل عليه هى أولا، ودور البرلمان أن يغير هذا النهج، ويجعل المواطن هو المحور الذى تدور حوله الدولة، وتدوخ من أجل تحقيق مصالحة والحصول على رضاه.
3 ــ في مجال الدفاع والأمن، الأسلوب المتبع هو التضحية بالحريات والحقوق، سعيا وراء الهدوء والاستقرار، وعلى البرلمان أن يغير هذا النهج، ويجعل الحريات والحقوق بوابة الوصول للاستقرار والهدوء، فالتاريخ الإنسانى كله لم يشهد مجتمعا حقق هدوءا واستقرارا طبيعيا طويل الأمد، مبنيا على هدر الحقوق ومصادرة الحريات.
4 ــ في مجال التعامل مع البيروقراطية والجهاز الإدارى، جرى القبول "بالوفاق" والتعجيل به، ورفض " الصدام والإصلاح" وتأجيله أو تنحيته، وعلى البرلمان أن يقلب هذا النهج رأسا على عقب، ويجعل الصدام والإصلاح آنيا وعاجلا، لتعود البيروقراطية تطلب الوفاق وهى صاغرة، فما يحدث الآن أن الجهاز البيروقراطى يتصرف بمنطق الشريك في الحكم، وليس الأداة التنفيذية لما يقرره الحكم.
5 ــ فى مجال الإدارة المالية للدولة، يجرى التركيز على اجراءات تدبير الموارد بسبل يكتنفها الكثير من المخاطر والفشل على المدى الطويل، والتغاضى بصورة واضحة عن سياسات الإنفاق الرشيدة التى تتضمن مكافحة للفسا،د وشفافية وخبرة وكفاءة فى الأداء، ومهمة البرلمان أن يجعل الرشد فى سياسات الإنفاق سابقا على الاجراءات المتسرعة فى تدبير الموارد، جباية او اقتراضا أو خلافه.
إذا حقق البرلمان هذه المهام الخمس، لا يعنينا كثيرا أن يضم بين جنباته بعض ممن ينتمون إلى فئة التكاتك السياسة ــ جمع توك توك ــ بغوغائيتها وعشوائيتها وفجاجتها وسطحيتها وبذاءتها وقصر نظرها وقلة قيمتها، وإذا لم يحققها فلن يستحق لقب برلمان أصلا، ويكون إلغاؤه وحله غير مأسوفا عليه، أجدى وأنفع من وجوده، ولا يعنينا في هذه الحالة أنه يضم بين جنباته بعض ممن ينتمون لفئة "رجال السياسة" بعمق معرفتها وسعة خبرتها ونزاهة يدها وعقلانية تفكيرها.
لو فشل البرلمان فى معركته مع التوك التوك، سيدخل التاريخ الإنسانى ـ وليس المصرى فقط ـ كأكبر ساحة عرفتها البشرية للـ" تكاتك السياسية" المتطاحنة بعشوائيتها وسطحيتها وصوتها العالى ومزايداتها على بعضها البعض.