الحلم الصيني
في الوقت الذي تنكب فيه أوروبا على التعامل مع مشاكلها الداخلية،و يثير دونالد ترامب القلق في الولايات المتحدة وكل العالم بسبب سياساته الغريبة، تثور التساؤلات حول الصين حيث لم يعد بالإمكان فهم السياسه العالميه دون فهم الصين وما تفكر فيه.
فالصين والتي انتقدت علي مدي سنوات طويله بسبب عدم احترامها للكثير من المعايير العالميه في طريقها للتنميه ، أصبحت الان أقرب للمعايير الدولية من الولايات المتحدة فيما يتعلق بقضايا أساسية مثل التجارة والتغير المناخي بل وحتي التجاره العالميه ، وهنا يثور التساؤل “هل أمريكا أمام خطر التنحي عن قيادتها العالمية لصالح الصين، كما حدث مع الامبراطورية البريطانية العام 1945 فعلي خلاف الغطرسه الامريكية تتقن الصين دبلوماسية الاستماع المتتبع للنمو المذهل للدولة صاحبة ثاني أكبر اقتصاد بالعالم يدرك بسهولة أن نبرة التواضع التى تظهرها وكانها دوله من دول العالم النامي يؤرقها مايورقها لا يعكس بأي حال الواقع الملموس على الأرض، وأنه ليس سوى الهدوء الطويل والتجهيز لتحقيق الحلم الصيني الكبير بحلول الذكرى المئوية الأولى لتأسيس جمهورية الصين عام 2049.فالصينيون يخشون من ان تنظر دول العادم الي نهوض الصين علي انه تحدي لهم ولهذا دايما ما كان يرفضون الحديث عن نهوض بلادهم علي اساس ان دول العالم لن تلاحظ ان بلادهم اخذه في النهوض وفضلوا عوضا عن هذا التحدث عن التطوير ، تطور الصين سار علي نهج دنغ شياو بينغ الذي اطلق شعار حجب السطوع وتغذيه الغموض، وقد ترجمته رسميا علي انه "لننتظر دورنا ونبني قدراتنا"، فلا تقحم نفسك فيما لايعنيك المفكرون الصينيون لديهم قناعه اساسيه ان الحرب هي اخفاق للاستراتيجيه ويفضلون المناوراه وهنا تكتسب فكره القًًوه الناعمه قوتها وتعني القدره علي جعل الآخرين يرغبون فيما ترغب فيه وهي لا تعتمد علي ألجزره الاقتصاديه ولا علي العصا السياسيه بل علي جاذبيه ثقافتك وأفكارك وشرعيتك في أعين الآخرين تنقسم مسيرة الحلم الصيني والذي وضعته اللجنه المركزيه للحزب الشيوعي إلى مرحلتين؛ أولاهما تنتهي عام 2021 في الذكرى المئوية الأولى لتأسيس الحزب الشيوعي، والذي بحلوله تكون التنمية قد عمت جميع مناطق البلاد، ولهذا يسابق الصينيون الزمن إذ لم يعد لديهم إلا ثلاث سنوات فقط للتخلص نهائيًا من مشكلة انخفاض مستوى المعيشة في المناطق الريفية والأطراف الشمالية والغربية للبلاد وتنقسم المرحلة الثانية إلى جزأين، تنتهي الأولى منهما عام 2035، وكالعادة تظل الخطط الدقيقة لتلك المراحل في طي الكتمان ولا تظهر تفاصيلها إلا بعد أن يتفاجأ بها المراقبون، إذ تكتفي البيانات الرسمية بالأوصاف الإنشائية ذات المدلولات الواسعة وتنتهي المرحله الثانيه بحلول 2049 بتحويل البلاد إلى دولة «حديثة غنية قوية متحضرة ومتناغمة»، حيث من المفترض أن تكون البلاد حينها أقوى دول العالم وأكثرها تقدمًا ورفاهًا هل يمكن ان يتحول المركز العالمي الجاذبيه للصين ؟ يقول الرئيس الصيني ماوتسي تونغ "ليست ريح الغرب هي التي تغلب روح الشرق، إنما ريح الشرق هي التي تغلب ريح الغرب" وفي كتابه “الحرب و السلم في القرن الاسيوي”، يقول الكاتب Gideon Rachman، رئيس قسم الشؤون الخارجية في صحيفة فاينانشال تايمز إنه اذا كان القرن العشرون قرنا غربيّا، أوروبيّا، فأميركيّا.فأن “المركز العالمي للجاذبية سيتحول من الغرب الى الشرق من الناحية النظريه ليس هناك ما يحول دون ان تحل الصين محل الولايات المتحدة كقائد للنظام الدولى ؟ فالطبيعه الديمقراطيه للدولة ليست شرط مسبق لنجاح الدولة فى تبوء مكانه القائد فى النظام الدولى ، حيث تبنت اليات السوق الحر ولكن في اطار يتوافق مع نظامها السياسي ولكنه من الناحيه العمليه لابد ان يكون هناك التزام من قبلها كدوله قائد بتبنى قيم ومعايير خاصة بالشفافيه والمسئوليه وتقبل التعددية من الناحيه العملية في تقرير صدر من الأكاديمية الصينية للعلوم في الصين، ويفرد رؤية متفائلة للبلاد بعد 50 عاماً، تعتمد فيه التوقعات على أن الصين تمر بمرحلة انتقال من مجتمع زراعي أساساً إلى مجتمع اقتصادي قائم على العلم والمعرفة، مع الحفاظ على معدل نمو قوي يصل إلى نسبة 9% مشيراً إلى أن الصين متخلفة عن الولايات المتحدة الأمريكية بنحو 100 سنة، وأن تحقيق الأهداف سيكون تحدياً، وأن التحضر السريع يمكن أن يجلب الويلات البيئية اتفق المراقبون في الولايات المتحدة الأمريكية على أن الصين لديها الإمكانات لتحقيق هذه الرؤية الاقتصادية، وأفرد "البنتاجون" الصين بوصفها البلد الوحيد ذا القدرة على الظهور منافساً عسكرياً، وحذر الساسة الأمريكيين أن اقتصاد الصين سوف يتفوق على الولايات المتحدة الأمريكية، بحلول عام 2050، وسوف تتمكن الصين من استئصال الفقر وتأسيس نفسها قوة عالمية تضم الصين خُمس سكان العالم ، وهؤلاء يبلغ تعدادهم نحو 1.4 مليار نسمة، كلهم إلا هامشاً محدوداً منهم لا يُذكر، أفراد عمليون ألفوا خشونة العمل الشاق المنتج، وبلادهم غنية بكل المصادر الطبيعية، ذات القيمة الفائقة وبحسب تقارير البنك الدولي، فإن نحو 170 مليون صيني خرجوا من إسار الفقر خلال العشرين سنة الماضية،وهذا أكبر رقم لمجموعة بشرية تتحرر من الفقر خلال أي فترة أخرى من تاريخ الإنسان، فاذا كان باستخدام مقاييس متنوعة للقوة الشرائية،لا ينال المواطن الصيني من كدحه أكثر من 530 دولاراً في العام (بالمتوسط)، أي ما يوازي مستوى الدخل السنوي للمواطن في إريتريا أو زيمبابوي، أو ما يعادل ثٌمن متوسط الدخل السنوي للمواطن في المكسيك الا ان كثير من الاقتصاديين يعتقدون انه إذا كان يمكن الحفاظ على معدل 9% الحالية للنمو الاقتصادي، فإنه يتنبأ بان متوسط الدخل للفرد في الصين سيرتفع إلى 1300 دولار (750 جنيه إسترليني)، أي نحو عشر مرات قدر المستوى الحالي، بحلول عام 2050 وقد احتل الإنسان أهمية كبيرة في مشروع الحلم الصيني، ليس بهدف إعلاء قيمته ودعم حريته، بل لاستغلاله وتوجيهه لخدمة المشروع الكبير ، حيث شدد الرئيس شي على أهمية «توارث الجينات الحمراء»، فكل المفاهيم تعاد صياغتها لتخضع لتفسير الحزب الواحد والزعيم الواحد الذي يجمع كل مقاليد السلطة والقوة والنفوذ في يديه من اجل ضمان التوافق المجتمعي حول الأهداف والسياسات ولضمان هذا تمارس الأجهزة الحكومية رقابة صارمة على مواقع الإنترنت، ، ففي البداية سمحت بكين لشركات التكنولوجيا الأمريكية، مثل جوجل وفيسبوك وتويتر، بالعمل في بلادها، و لما امتلك الصينيون الخبرات التقنية من تلك الشركات طردوها واستبدلوا بها شركات محلية، وأعلنوا أنهم لن يسمحوا لها بالعودة إلا بعد رضوخها لشروط الرقابة المحلية الصارمة، بل إن الشيء المرعب حقًا هو بدء الشركات الحكومية في تطبيق نظام جديد يستخدم تكنولوجيا قراءة الدماغ يتيح كشف الحالة النفسية للموظفين ومعرفة مشاعرهم تجاه الآخرين، وبالأخص مديريهم، مما أثار المخاوف من ظهور «شرطة الفكر» التي تحاسب الناس على الأفكار التي تدور في أذهانهم كذلك فان للمواطنين الذين يعيشون في الخارج دور أيضًا في مشروع الحلم الوطني، حيث طالما أكد شي علي ضرورة التواصل معهم أينما كانوا في جميع دول العالم، إذ يعتبر نفسه الأب الروحي لهم، ففي إندونيسيا وماليزيا على سبيل المثال يسيطر الصينيون على معظم الاقتصاد ويتلقون دعمًا من بكين وعلي نفس الخطي ابتلعت الصين العولمة بالقدر الذي يفيدها ولفظت منها ما رأت فيه مساسًا بمصالحها، وانخرطت في النظام الدولي الخاضع للهيمنة الغربية بالقدر الذي يمكّنها من الاستفادة من خيراته وبما يمكنها أيضاً من الإضرار به فاذا كان ساسة البيت الأبيض قد راهنوا من قبل على أن الاقتصاد هو السلاح الفعال لهزيمة منافسيهم على غرار ما حدث للاتحاد السوفيتي، الا ان التنين الأصفر تعامل مع الأمر بدهاء شديد، فلم يواجه الولايات المتحدة بل تماشي مع خططها وباغتها، وحولت المنافسة التجارية الناعمة انذاك الولايات المتحدة بنسبة كبيرة من دولة صناعية كبرى تحتكر الطاقة الإنتاجية الأكبر في العالم لدولة مستهلكة لما ينتجه الصينيون، ما تسبب في أزمة بطالة وركود في اقتصاد الدولة الاولي اقتصاديا في العالم بشكل غير مسبوق وقد استحلت بكين في حربها التجاريه كل الطرق لتصل إلى مبتغاها، فلم تعترف بحقوق الملكية الفكرية، ولا حقوق الشركات صاحبة الماركات العالمية، ولا المعايير البيئية، وقرصن الهاكرز الصينيون كميات هائلة من البيانات السرية للمصانع والشركات الأمريكية، لا سيما الكبرى منها، بل استولوا على البيانات السرية للحكومة الأمريكية بما فيها البيانات العسكرية، واستولوا على تصميمات أسلحة حديثة، فهناك فرع متخصص في الحرب السيبرانية اسمه الجيش الأزرق، وظيفته الأولى اختراق قواعد البيانات الأمريكية، وقد نجح في مهمته لدرجة أنه استطاع الحصول على البيانات الشخصية الكاملة للعملاء السريين لوكالة المخابرات المركزية CIA حول العالم، بما فيها بصمات الأصابع وفصائل الدم وأدى اكتساح المنتجات الصينية للسوق العالمية وأسعارها التنافسية لاستسلام الشركات العملاقة أمام الزحف الأصفر، فنقلت خطوط إنتاجها إلى الصين حيث العمالة الرخيصة، وأصبحت الصين مصنع العالم وتعلم خبراؤها أسرار التكنولوجيا ولم يكتفوا بإدارة ماكينة الصناعة الغربية، بل بدأوا يصنعون علامات تجارية خاصة بهم، فأصبحت هواتف هواوي وشاومي مثلًا تنافس هواتف نوكيا وآبل وتزاحمها في الأسواق، وغير ذلك من المنتجات ذات الميزة التنافسية العالية وقد اعترف ترامب، ومستشاره الاقتصادي، جاري كوهن، بهذا حينما قال ، إن بكين أرغمت شركات أمريكية على نقل ملكيتها الفكرية إلى الصين في إطار تكلفة تنفيذ أعمال هناك، ولم يحدد ترامب تفاصيل هذه الغرامة أو قيمتها، كنتيجه لخساره العديد من الشركات الأمريكية مئات المليارات من الدولارات، وملايين الوظائف، والتي ذهبت إلى شركات صينية استولت على أفكارها أو برمجياتها، أو أجبرتها على تسليم حقوق للمكلية الفكرية لتنفيذ الأعمال في الصين ويعد أعلان الصينيون عن خطتهم لاستبدال اليوان بالدولار في التعاملات النفطية، من الخطوات التي لم تلقي قبولا من جانب الأمريكان الذي يستمد قوته بالأساس من النفط، منذ أن بدأ تسعير البترول به عام 1974، ثم بدأ يكتسب المزيد من القوة حتى أصبحت معظم التعاملات الدولية تتم باستخدامه، واليوم تجد الصين أنه من المنطقي أن يتم تسعير النفط بعملتها بعدما تجاوزت الولايات المتحدة في حجم استيراد منتجات الطاقة والوقود في العام الماضي كما ان اليوان ومنذ اعتماده ضمن سلة العملات العالمية في صندوق النقد الدولي، مطلع أكتوبر 2016، سار بقوة في طريقه للعالمية، فأصبح عملة متداولة لدى حكومات جنوب أفريقيا وغانا ونيجيريا وموريشيوس وزيمبابوي ولأنها تشتري بنشاط السندات الحكومية الأمريكية، فانها تعتبر أكبر وأول حائز أجنبي في العالم للسندات المالية الأمريكية الأخرى بما في ذلك العقارية التي تصدرها شركات عقارية مالية من نوع فاني ماي وفريدي ماك( التي باتت نصف حكومية) وهي مدانة حاليا للصين بمبالغ تصل الى 207,9 مليار دولار والملفت للنظر أن هذه الالتزامات مضمونة بالعقارات وفي حال لم تتمكن أي من هذه الشركات من تسديد الالتزام للطرف الصيني فهذا سيعني استلام هذا الطرف للمادة المرهونة أي العقارات، ووفقًا لعدد من التقارير الاقتصادية التى توضح حجم التبادل التجارى بين أمريكا والصين، بلغت قيمة الواردات من الصين إلى أمريكا خلال العام الماضى 463 مليار دولار، مقابل صادرات 116 مليار دولار، بعجز تجارى وصلت قيمته إلى 347 مليار دولار، أي بنسبة 60% ولم تكتف الصين بالتقدم الاقتصادي و الانتشار في مناطق نفوذها التقليدية، بل سعت الى تعزيز حضورها في إفريقيا والشرق الأوسط ونجحت فى عسكرة مياه بحر الصين الجنوبى إلى الدرجة التى تستطيع الصين عندها إعلان هيمنة شبه كاملة على هذا البحر، والذي يشكل ممرًا لما قيمته 5 تريليونات دولار من التجارة البحرية العالمية السنوية،كما خرجت تشكيلات من جيش التحرير الصينى فى اتجاه القرن الإفريقى وفى اتجاه مواقع بناء وتشييد وشق طرق ومد خطوط سكة حديد فى إفريقيا وباكستان وأفغانستان لحماية العمال الصينيين العاملين فى هذه المواقع، حيث تستقر وتقيم وتتدخل وتدرب قوى الأمن وتراقب ًالموازنات لأن لها نصيبا فيها بحكم نصوص اتفاقات القروض .