مصر وروسيا وأمريكا..والسد العالى
خلال زيارتى الأولى للولايات المتحدة الأمريكية ـ وكنا وفد صحفى من أربعة أفراد ـ أجرينا لقاءات مهمة بالكونجرس، والشيوخ، والإدارة الأمريكية، كان ما يقلق الأمريكان، ان مليارات المساعدات الأمريكية لمصر لم تصنع رمزا مثل "السد العالى" يذكر المصريين بحجم الدعم الامريكى للإقتصاد المصرى.
وقد تمعنت فى هذه الحقيقة طويلا فوجدت أن الإختلاف الواضح بين المساعدات الأمريكية، والمساعدات الروسية يتمثل فى الأهداف.
المعونة الأمريكية لمصر لها أهداف بعضها مرحب به، والبعض الأخر يحتاج إلى إعادة نظر، ولكنها فى مجملها نابعة من مصالح أمريكية فى الأساس، او فلنقل أنها نابعة من معايير ومفاهيم أمريكية، بينما المعونة الروسية لمصر تأتى لتحقيق أهداف تنموية مهمة لمصر، ولإقامة مشاريع ناتجة عن رغبة مصرية واضحة.
لا خلاف على أن الدعم العسكرى الروسى لمصر خلال حرب أكتوبر كان له تأثير مهم للغاية، ويعد ركيزة أساسية من ركائز النصر، ولا شك أيضا فى أن السد العالى ـ بعد إمتناع البنك الدولى والولايات المتحدة عن تمويله ـ كان يهدف إلى تحقيق التنمية التى إختارها ويرغبها الشعب المصرى وقيادته فى ذلك الوقت.
تذكرت ذلك وأنا أتابع زيارة الرئيس السيسى الحالية لموسكو، واليوم نتفق مع الروس على بناء محطة الضبعة النووية، بحيث يكون بناء هذه المحطة بمثابة "التذكار" الثانى للتعاون المصرى الروسى، وهذه المحطة ناتجة عن فكر الدولة المصرية، وتهدف لتحقيق مصالح التنمية فى مصر.
توقيع إتفاق الشراكة الشاملة والتعاون الإستراتيجى من أهم النتائج للزيارة التى تعد نتاج علاقات قوية بدأت من زيارات سابقة، وتفاهم واضح بين القيادتين، وإتفاق على "أجندة" من الأهداف والتعاون المشترك.
المنطقة الصناعية الروسية فى القناة، والخبرات الروسية فى مجالات مختلفة، وخطوط طيران نشطة بين القاهرة وموسكو، واتفاقات تعاون فى مختلف المجالات، كل هذا يعنى أن شراكة حقيقية بين البلدين يتوجها إتفاق تجارة حرة بدأت خطواتها الفعلية على أرض الواقع
أهم ما يميز العلاقات المصرية الروسية أنها تسير على قدمين، فهناك شراكة حقيقة نابعة من إرادة سياسية وأيضا إرادة شعبية، وهذه الشراكة لا تعرف لغة الإملاءات، ولكنها تعرف لغة التكامل، ما لدينا سنعطيه، وما لديهم لن يبخلوا به.
وأهم مبدأ فى العلاقات الدولية أن تقوم على الثقة، "فأنت معى حتى نهاية الطريق"، وليس على المصالح السياسية الوقتية والمتغيرة علاقة لا تقوم على التدخل فى الشأن الداخلى لكل طرف، ولكنها تقوم على الإحترام المتبادل، وحفظ حق كل طرف فى حماية حقوقه، وسياسته الخارجية، وعلاقات التعاون مع الأطراف الدولية الأخرى.
زيارة الرئيس السيسى الأخيرة لموسكو هى فى مجملها "برنامج عمل" مشترك لتحقيق أهداف أكبر وأعمق من أن نلخصها فى بروتوكولات أو إتفاقيات أو لقاءات دبلوماسية.